"بن دغر" السلطة مقابل المبدأ ..من البداية "الإشتراكية" إلى الذروة "العفاشية" ثم الخاتمة "الاخوانية"
الاحد 17 يناير 2021 - الساعة 08:29 مساءً
المصدر : الرصيف برس - المحرر السياسي
"شكراً فخامة الأخ الرئيس،على تكليفنا برئاسة مجلس الشورى، لقد منحتمونا فرصة للعمل معكم".
بهذه العبارة يرد أحمد عبيد بن دغر على عاصفة الرفض التي قوبل بها قرار تعيينه،إلى جانب قرار تعيين نائب عام جديد للجمهورية.
الرفض الذي أجمعت عليه القوى السياسية البارزة – بإستثناء الإصلاح (الذراع المحلي للإخوان في اليمن)– كون تعيين رئيس لمجلس الشورى ونوابه ليس من صلاحيات رئيس الجمهورية، ويعد مخالفا للقانون اليمني والذي ينص على أن يتم انتخابهم من قبل أعضاء المجلس.
كما رفضت هذه القوى وهي «المؤتمر والاشتراكي والناصري بالإضافة الى الانتقالي»، قرار تعيين "ضابط إخواني" في منصب نائب عام بالمخالفة الواضحة لنص القانون الذي حدد ترشيح هذا المنصب من إختصاصات المجلس الأعلى للقضاء، وأن يكون من السلك القضائي وليس من خارجه.
هذا اللإجماع الرافض للقرارات – بإستثناء حزب الإصلاح – قابله بن دغر بنوع من التحدي في رسالته التي ووجها لهادي يعبر فيها عن فرحه وإحتفائه بهذا المنصب، بل ويرى بأن هادي مارس حقه الدستوري بهذا القرار.
لا يرى بن دغر في الأمر أي مخالفة للقانون،بل أن من يقول ذلك لا يستحقون العتاب منه كما جاء في رسالته التي شكر فيها الرئيس هادي على منحه " فرصة للعمل معه ".
هذا الشكر على هذه المنحة والفرصة للعمل مع هادي، وكأن هذا المنصب هو الأول لبن دغر ،وكأنه ايضا ظل صائما وعازفا عن المناصب طيلة حياته السياسية التي تمتد لـ 50 عاماً ،ولم تكن عبارة عن سجل حافل من التنقل والقفز السياسي من اليسار إلى الوسط واليمين بحثاً عن من يملك المال والسلطة.
لذا كان من الطبيعي أن يبدأ ظهوره السياسي " إشتراكيا " في سبعينات القرن الماضي،بل ومتطرف في إشتراكيته بحسب قول زملاءه، طمعاً في القفز والوصول إلى منصب قيادي في الحزب الإشتراكي الذي كان يحكم الجنوب حتى عام 90م ، فكان عضوا في هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى.
وخلال الفترة الإنتقالية بعد الوحدة كان الرجل من العناصر المتطرفة في الحزب،وايضا من أشد الأصوات المؤيدة لفك الإرتباط وإنهاء الوحدة مع الشمال،فشمل من ضمن قائمة الـ 16 من قيادات الإشتراكي الذين صدرت بحقهم أحكام بالإعدام من قبل نظام صالح بعد إنتصاره بحرب 94م بإعتبارهم من " أعلنوا الإنفصال وقادوا الحرب ضد الوحدة".
التطرف والتشدد ضد الوحدة التي قال عنها من داخل قبة أول برلمان منتخب حين كان أحد اعضاءه "إن الوحدة لم تكن الثابت وإنما الثابت هو الله"، تلاشى بل وتبخر كل ذلك بعد حرب 94م،وهزيمة الحزب الإشتراكي في الحرب على يد صالح وحلفاؤه من الإخوان المسلمين وقوى النفوذ في الشمال.
فكان لابد للرجل من القفز من سفينة الإشتراكي إلى سفينة الحزب الحاكم بحثاً عن السلطة والمال والتقرب ممن يملكها،أي صالح وحزبه المؤتمر الشعبي ، بعد أن ظل سنوات لاجئاً في الخارج يصف نظام صالح بالإحتلال ووقتها شعر أن لا جدوى من ذلك.
وفجأة غير بن دغر جلده الاشتراكي بجلد جديد " العفاشي المؤتمري " بل وبشكل متطرف ايضا ،ورأى في تفجر الحراك الجنوبي في 2007م فرصة للظهور كصوت " جنوبي " متطرف مع الوحدة ضد فكرة الإنفصال التي كان يؤيدها قبل 94م،أملا أن يمنحه ذلك ترقية أو منصب من صالح.
فسخر بن دغر قلمه للهجوم على قيادات الحراك الجنوبي ومطالبتهم بفك الإرتباط ، ومهاجمة فترة حكم الحزب الإشتراكي للجنوب الذي كان أحد قياداته بل والمتطرفة منه.
هذا الإبتذال السياسي للرجل على حساب قضية أهله في الجنوب،قبض ثمنها التقرب من صالح والتدرج في قيادة حزب المؤتمر إلى أن وصل إلى منصب أمين عام مساعد لقطاع الثقافة والإعلام..
وكان ثمن هذا المنصب أن يتحول بن دغر إلى أحد ابواق صالح في الهجوم على أحزاب اللقاء المشترك ( الذي كان يضم الإصلاح حليفه اليوم) ومطالبتهم الإصلاح السياسي خلال الفترة ما قبل احداث 2011م ،ففي إحدى تصريحاته يتهم المشترك بالتحالف مع الجماعات الإرهابية لإسقاط صالح.
ومع احداث 2011م ، ظل بن دغر مسانداً بقوة لصالح وحاضراً إلى جواره على منصة ميدان السعبين التي كانت تضم حشود أنصار صالح في مواجهة الثورة.
ولايمكن نسيان مشهد حديث بن دغر الهامس في أذن صالح وهو يلقي خطبته في السبعين مطالبا إياه بذكر ذكر إختلاط الشباب بالشابات في ساحة الستين!
بل في أحدى خطبه بميدان السعبين،هاجم بن دغر دولة قطر بشكل عنيف وإتهمها بدعم إحتجاجات الشباب حيث قال :"حرروا أرض قطر من الوجود الأجنبي،وحققوا إن إستطعتم سيادتكم أولاً على أرضكم،ابحثوا عن الحرية لأنفسكم قبل أن تهبوها للآخرين،وإن أردتم التغيير فأبدأوا بأنفسكم،حرروا مجتمعكم من الإستبداد، ابحثوا عن الديموقراطية لأنفسكم ولمجتمعكم، ففاقد الشيء لا يعطيه ".
هذا الموقف قبض بن دغر ثمنه بتعيينه وزيرا للإتصالات من حصة المؤتمر في حكومة الوفاق التي تشكلت بموجب المبادرة الخليجية أواخر 2011م ،ثم نائب لرئيس الوزراء في ذات الحكومة.
ظل بن دغر على مواقفه المؤيدة لصالح في مواجهة هادي ضمن الصراع على زعامة المؤتمر، ولم يصدر عنه أي موقف معارض لسيطرة مليشيات الحوثي على صنعاء في سبتمبر 2014م ، فلم يتعرض لأي مضايقة منهم ، وظل في صمت سياسي إلى حين انطلاق عاصفة الحزم في مارس 2015م.
هنا ادرك بن دغر بحسه الإنتهازي إنتهاء الفترة الذهبية لصالح،وأن السلطة والمال ستنتقل إلى هادي ومعسكره الذي يسيطر عليه الإصلاح (الذراع المحلي لاخوان اليمن) ،ليفر في إبريل 2015 نحو عمان ومنها إلى الرياض،لينزع عنه جلده العفاشي ويحل بدلا عنه الجلد الجديد الملائم للمرحلة.
قاد بن دغر تحركات هادي والإخوان للسيطرة على المؤتمر والإطاحة بصالح من رئاسة المؤتمر من داخل الرياض طمعاً في منصب ومال كعادته ، فترأس مؤتمرا لقيادات الحزب في أكتوبر 2015م لخلع صالح وتنصيب هادي بدلا عنه من رئاسة المؤتمر بذريعة الخيانة العظمى والتحالف مع الحوثيين.
وكان الثمن حينها منصب أمين عام للمؤتمر إلى جانب تعيينه مستشارا للرئيس هادي، ويضاعف بن دغر من جهده بتقديم فروض الطاعة لهادي والإخوان بمهاجمة صالح وأصبحت 11 فبراير 2011م بنظرة " ثورة عظيمة حافظت على ثورتي سبتمبر واكتوبر " ، بعد أن كان يصفها بالفوضى والتخريب الممول من قطر.
وكالعادة كان لهذا الإبتذال السياسي ثمن ،وهذه المرة كان بمثابة الجائزة الكبرى في حياته السياسية بتعيينه رئيسا للوزراء في إبريل 2016م والإطاحة بخالد بحاح رئيس الوزراء التوافقي في سابقة وجريمة دستورية لم تشهدها اليمن ، بتعيين رئيس وزراء خلافاً للدستور الذي يعطي الرئيس صلاحية تكليف رئيس وزراء من الأغلبية في البرلمان بتشكيل حكومة وعرضها على البرلمان وليس تعيين رئيس وزراء مع الإبقاء على الحكومة.
القرار لاقى اعتراضاً شديداً يومها من قبل الإشتراكي والناصري واعتبر بداية لإنقلاب هادي على التوافق السياسي الذي تقوم عليه المرحلة الانتقالية،في حين أيده حزب الإصلاح بشدة بعد ان مهد له بإشاعات بوجود مخطط لفرض بحاح رئيساً بدلا من هادي.
ورغم أن فترة رئاسة بن دغر مثلت الفترة الذهبية للعبث الإخواني ولأتباع هادي بمؤسسات الدولة،الا أنها انتهت بمشهد مفاجئ للجميع بقرار من هادي أطاح بالرجل منتصف أكتوبر من عام 2018م،بل وشمل القرار إحالة بن دغر للتحقيق بتهمة الفساد.
وبحسب مصادر مؤكدة فإن إقالة بن دغر جاء بعد أسابيع من عقده إجتماعا مع قيادات مؤتمرية في القاهرة اعد له دغر لتدارس وضع المؤتمر بعد مقتل رئيسه صالح وأمينه العام عارف الزوكا على يد الحوثيين في ديسمبر 2017م.
وتكشف المصادر بأن قيادات مؤتمرية مقربة من بن دغر طرحت في اللقاء ترشيح الرجل رئيساً للمؤتمر،ليصل الخبر إلى هادي الذي استشاط غضبا ضد بن دغر واعتبرها محاولة خبيثة منه للإطاحة به من رئاسة المؤتمر،خاصة وإنها جاءت بعد فشل محاولة عقد إجتماع بين هادي وقيادات مؤتمرية في القاهرة محسوبة على صالح،أثناء زياته لمصر في أغسطس من ذات العام.
ليصدر هادي قراره بإقالة بن دغر من رئاسة الحكومة وإحالته للتحقيق وهو القرار الذي فاجئ حزب الإصلاح ذاته ولم يتمكن من إيقافه، حيث مثل ارباكاً لحساباته السياسية.
وبعد أكثر من عامين من الحادثة،عاود هادي لإنتهاك القانون والدستور بتعيين بن دغر رئيسا لمجلس الشورى ، بضغط من حزب الإصلاح نظراً لحاجته للرجل في المرحلة القادمة،خاصة مع تضارب الأنباء التي تتحدث عن توجه إقليمي دولي لتوحيد صفوف حزب المؤتمر وعودته للمشهد السياسي ككيان قوي.
هذا التوجيه سيمثل ضربة سياسية للإصلاح،يحاول التعامل معها عبر الرهان على قيادات مؤتمرية موالية له كبن دغر يكون على رأس المؤتمر ويضمن سيطرته عليه.