قراءة نقدية : ثورة11/ فبراير أين الخلل؟ - 11

الثلاثاء 22 أغسطس 2017 - الساعة 04:19 صباحاً

 

7- المبادرة الخليجية تسوية سياسية

تنقذ النظام الحاكم وتقصي الثورة من

معادلة الصراع في اليمن

 

المبادرة الخليجية وبغض النظر عن من تولى صياغتها في الكواليس ( أحزاب المعارضة مع السلطة الحاكمة في اليمن ، او دول مجلس التعاون الخليجي ) فإنها في نظر هذه القراءة  لا تعد أن تكون عبارة عن تسوية سياسية ، تم بموجبها امتصاص غضب الفعل الثوري في الساحات والميادين وكذلك إقصاء الثورة من معادلة الصراع لصالح بقاء النظام الحاكم قوياً .

 

كلما قدمته المبادرة الخليجية هو ما كان صالح يعرضه على احزاب المعارضة طول فترة الثورة من تشكيل حكومة ومشاركة الأحزاب في السلطة  بصورة شكلية ،

صحيح أن المبادرة الخليجية نصت على تنحي صالح عن السلطة ، ولكن ذلك كان بفضل فعل الثوار الصامدين في الميادين ، والذين لولاء تضحياتهم وصمودهم في وجه بطش النظام الحاكم ما تم الضغط على صالح لتخلي عن السلطة .

 

كانت السعودية ومعها دول الخليج باستثناء قطر التي كانت ترغب بوصول الاسلامين للحكم في اليمن ، قد اعطوا الضوء الأخضر لرئيس صالح للقضاء على الساحات حتى لا تنتقل رياح التغيير الثورية إلى ممالكهم الوراثية ، فليس من المنطق ان تقف الأنظمة الملكية المطلقة في صف الثورات التي تؤسس لحرية الشعوب وترفع شعارات الحرية وبناء الدولة المدنية ، " لاسيما " أن ثورات الربيع العربي ، تحولت إلى كرة من نار وليس من ثلج  التهمت خمس دول عربية في شهور قليلة " تونس ، مصر ، ليبيا ، سوريا ، اليمن " بل وتحركه رياح الثورة داخل العمق الخليجي في شوارع البحرين .

 

بهذا الضوء الأخضر ، الصادر من دول الخليج وتحديداً السعودية ،حاول نظام صالح ممارسة العنف المفرط مع الثوار بهدف ارعابهم وتعطيل حركتهم الثورية وكان اشد تلك المشاهد عنفاً ودموية ما حدث في " جمعة الكرامة ، وإحراق ساحة الحرية بتعز ، وقتل الثوار في جولة كنتاكي " ومع ذلك وقف الثوار بصمودهم الأسطوري في وجه كل مجازر العنف التي كانت تستهدف كسر إرادتهم الثورية من قبل النظام الحاكم .

 

كان سقوط شهيد واحد ومشاهدة دمه يسيل على الارض ، كفيل ببث روح الثورة في داخل آلاف الشباب والشابات في عموم الساحات والميادين ، بل كانت تلك الدماء تهز أركان النظام من الداخل ، وتسقط شرعيته في الخارج ، كان العنف المفرط يؤدي إلى نتائج نقيضة وعكسية لمقاصد النظام الحاكم " أو أن العنف نفسة بدأ يعاقب النظام بنقيض قصده " فكلما زاد النظام في ممارسة القتل بهدف ارعاب الثورة وتفريق شبابها الثائرين ، كان الدم المسفوح يتحول الى بقع زيت تصب على نار الثورة ، فتزداد الثورة اشتعلاً في وجه النظام وتلتهم مساحةً اكبر من تحت أقدامه ، بل وتقترب تلك النار من إحراق عرش النظام على رأس صالح وعائلته .

 

كانت الحقائق وبلسان الواقع تقول أن الثوار خرجوا في 11/ فبراير 2011/م بهدف اسقاط النظام ولن يتراجعوا دون تحقيق هذا الهدف مهما كانت حجم التضحيات المقدمة ، فكل يوم كانت الثورة تقدم زخماً ثورياً يعبر عن قدرة الثورة على الاستمرار والصمود .

صحيح أن النظام واجه الثورة السلمية بالقتل والإرهاب ، إلا أنه كان غير قادر علي الاستمرار في القتل والارهاب مهما سمحت له دول الإقليم بذلك  لبعض الوقت ، فإن المقابل كان يعني ان العالم لن يسمح له ايضاً بذلك طوال الوقت ، لاسيما أن القتل والعنف الممارس من قبل النظام لم يكن قتال في حالة حرب بين طرفين يستخدمان السلاح  كما هو الواقع اليوم ، بل كان قتل يوجه إلى صدور ثوار عزل يمارسون الفعل الثوري سلمياً ، ولهذا كان الفعل الثوري  قادراً على الاستمرار في وجه النظام الحاكم مهما كان بطشه شديداً ، لأن الثورة بتلك التضحيات كانت تكسب مشروعيتها أخلاقياً وسياسياً وحتى قانونياً ، وكان النظام يفقد شرعيته بكل قطرة دم ترق على تراب تلك الساحات والميادين الثورية .

 

النظام الحاكم بدأ يدرك خطورة استخدام العنف في وجه المتظاهرين سليماً ، خصوصاً بعد الانشقاقات التي حدثت بعد جمعة الكرامة

وإحراق ساحة الحرية بتعز ، ولهذا حاول خلق حالة حرب بين طرفين يمتلكون السلاح ، فقام في محاولته الاخيرة بتفجير أحداث الحصبة مع أولاد الشيخ الأحمر ، بهدف جر الثورة إلى مربع العنف والعنف المضاد .

 

كان النظام من جهة يريد تسليح الثورة السلمية حتى يسهل القضاء عليها تحت مبرر أنه يمارس حرب علي مجاميع مسلحة ضد سلطة الدولة وهو يمتلك القدرة على الحسم نظراً للفارق الكبير عسكرياً ، ومن جهةً أخرى فإن الحرب المسلحة عندما تندلع بين طرفين يتعامل العالم مع حلها وفق ميازين القوى على أرض الواقع ولا قيمة لمشروعية الاطراف أخلاقياً وسياسياً .

 

العالم جله على سبيل المثال ، أعترف بشرعية الثورة في سوريا ولكنه اليوم بعد سبع سنوات يتصرف وفق معادلة القوة التي فرضها نظام بشار الاسد في واقع سوريا ،وكذلك العالم كله يعترف اليوم بشرعية الرئيس هادي كرئيس لليمن ولكنه يقدم مبادرات لا تلغي ما قام به الإنقلابيين من تصرفات غير مشروعة ، بل تتعامل معهم كقوى تحكم في الواقع اكثر مناطق اليمن سكاناً حتى اليوم رغم إنهم خسروا سيطرتهم على اكثر من70% من الأرض في اليمن .

 

نعود ونقول أن الثورة يومها تعاملت بحكمة مع  احداث الحصبة ، صعدت من فعلها الثوري سلمياً ولم تعطي النظام ما يبحث عنه بتحويل الثورة السلمية إلى طرف في حرب عسكرية تٌحسم نتائجها بقوة السلاح .

استطاعت الثورة بسلميتها أن تحشر النظام في زاوية ضيقة ، حيث وجد نفسه مطالباً باتخاذ القرار الصعب ، إما التنحي عن الحكم أو مواجهة الثورة السلمية بمزيد من العنف والقتل ، وفي النهاية سوف يجد نفسه غارقاً  في بحر من الدم .

 

وفي كل الاحوال كان النظام رغم امتلاكه ادوات القوة سائراً في طريقة إلى السقوط في الجحيم ، لأن القوة المجردة عن قيم الحق تتحول إلى عبئ ثقيل على النظام الحاكم عندما يتعارض استخدامها مع إرادات الشعوب لاسيما عندما تكسر تلك الشعوب حالة الجمود والخوف وينطلق ماردها ، وتتحول إلى ممارسة العمل الثوري ضد أنظمتها المستبدة ،

من هذه الزاوية كان النظام الحاكم محتاج إلى مبادرة سياسية تخرجه من عنق الزجاجة ، وتمنحه بعض الوقت لالتقاط أنفاسه ، ولهذا كانت المبادرة الخليجية طوق النجاة الذي انقذ النظام الحاكم من الغرق داخل أمواج الثورة المتلاطمة وفي الوقت المناسب له !

 

كانت الفرصة المقدمة من دول الإقليم بزعامة السعودية لرئيس صالح بالقضاء على الساحات قد انتهت من وجهت نظرها ، فالنظام الحاكم الذي يحتمي بألوية عسكرية ضاربه ، قد استخدم وسائل العنف والقتل ولكنه لم يستطيع تفريق الجموع الثائرة ، وفي المقابل كانت الثورة تقدم نماذج من الشجاعة والصمود الأسطوري في مواجهة بطش النظام الحاكم وذلك كان تأكيدا من الثوار باستحالة التراجع عن اهداف الثورة .

 

استطاعت الثورة أن تدخل النظام الحاكم في أزمة سياسية واخلاقية وقانونية بصمودها ، ولكنها في الوقت نفسه كانت قد بداءة تصنع أزمتها ، فالثورة وإن كانت فعلاً قد انتصرت على حالة الخوف وأدمنت دفن الشهداء في سبيل الحرية ، إلا أن ذلك قد تزامن مع بروز قوى مؤثرة داخل الثورة تختزل اهداف الثورة في رحيل صالح فقط وقد تم الحديث عن ذلك سابقاً .

 

بمعنى آخر كان هذا الاختزال يقوم بدورة في خلق حالة الرخاوة والميوعة داخل الثورة وبشكل يدفع اعداء المشروع الثوري من خارج الثورة بالتفكير جدياً في احتواء الثورة وتفريغها من الداخل كما حدث مع ثورة 26/ سبتمبر1962/ م ، وإن اقتضاء الامر التخلي عن صالح ورحيلة عن كرسي السلطة مع بقائه قويا وفاعلاً في المشهد السياسي ، بل وقادراً على الانقلاب في الوقت المناسب ، عندما تكتمل أركان الثورة المضادة ، وعلي هذا الأساس صيغت المبادرة الخليجية لتقوم بهذا الدور ، ووقع عليها صالح رغم امتلاكه القوة العسكرية الضاربة .

 

كانت المبادرة الخليجية أولاً ومن حيث المبدأ قد أقصت الثورة من معادلة الصراع وكرست رغبة النظام في حصر الصراع بين أحزاب المعارضة والنظام الحاكم ، من يقرأ المبادرة وآليتها التنفيذية لا يجد كلمة واحد تتحدث عن ثورة 11/فبراير ، وما ترتب عليها من أحداث ، في حين أن قوى الثورة المضادة ، حرصة على تظمين دباجة وثيقة السلم والشراكة بالحديث عن ثورة 21/ سبتمبر2014/ م !! .

 

تعاملت المبادرة الخليجية مع الأحداث في اليمن ، وكأنها تعالج أزمة سياسية بين نظام ومعارضة وليست أحداث تمر بها بلد على إثر ثورة كبرى ،  وبناءً على ذلك نصت المبادرة على تقاسم السلطة مناصفة بين أحزاب المعارضة والنظام الحاكم الذي طالبت الثورة بإسقاطه .

 

كانت المبادرة الخليجية قد قدمت للنظام الحاكم خدمة كبيرة ، حين عملت على نقل الواقع في اليمن من الحالة الثورية التي بموجبها يمارس الثوار فعلهم الثوري الرافض للواقع ولنظام الاستبدادي بأدوات سلمية ، إلى حالة سياسية تعترف بشرعية النظام الحاكم وتشترك معه بإدارة السلطة شكلياً وبإثم الثورة ، كان ذلك أول اعتراف سياسي وقانوني بمشروعية النظام الحاكم من قبل الثورة ،

ولهذا فإنه وفق هذه القراءة التي تحاول أن تقدم قراءة عقلانية وليست عاطفية ، تعد المبادرة الخليجية بحق وبغض النظر عن حسن النوايا عند البعض ، هي الثورة المضادة الاولى في مسار ثورة 11/ فبراير ، بل هي أم الثورات المضادة .

 

ثم أن المبادرة الخليجية ثانياً نصت على ضرورة منح الحصانة للرئيس صالح ومن عمل معه وهي في واقع الحال تعني الحصانة للنظام الحاكم وللقيم التي كان يمارسها طول فترة حكمة ، لأنها في المقابل لم تمنع صالح ومن معه من المشاركة في العمل السياسي مقابل الحصانة ،بل على العكس من ذلك تركت صالح قوياً في الوقع وقادراً على التحكم بالمشهد اليمني ، وهو ما أدى إلى استعادة النظام الحاكم كثيراً من الثقة بالنفس وبقدرته على هزيمة الثورة على المدى البعيد إذ لم يكن في القريب العاجل ، لاسيما وان المبادرة الخليجية قد أدت إلى توقيف حركة الفعل الثوري ، وتفريغ الساحات وميادين الاعتصامات من حركة الفعل الجماهيري الغاضب ، فقادة الثورة ومكوناتها السياسية قد أصبحوا جزء من النظام الحاكم وباسم الثورة ، وبذلك تكون المبادرة الخليجية قد مارست التدليس على الثورة وقدمت لها انتصارا مزيف ، بل باعت الوهم للكثير من السياسيين سطحين النظر والمصابين ببلادة النصوص داخل معسكر الثورة ، والذين ظنوا أنهم قد أنجزوا شروط التحول التاريخي في اليمن " فالواقع لا يتغير بما يكتب على الورق مهما يكن حجم وثقل الموقعين عليها ، بل بما يحققه الفعل الثوري من تغيير في قاع المجتمع " .

 

صحيح أن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية

نصت على الخطوات الإجرائية للانتقال السياسي السلمي في السلطة وقد تم بموجب ذلك اتخاذ بعض الخطوات في طريق التغيير ، ولكنها ظلت حتى اليوم يوتوبيا معلقة في الهواء غير قادرة على التحقيق في الواقع ، وذلك بسبب أن المبادرة نفسها أنقذت النظام الحاكم وحمته من السقوط ، ولم تفكك مراكز قواه الفاسدة والمعيقة لعملية التحول .

 

كان صالح صريحاً بل وتحول في يوم توقيعه على المبادرة الخليجية إلى ناصح أمين وساخراً في نفس الوقت في وجه القوى التي حضرت لتوقيع نيابة عن الثورة بقوله " ليس المهم التوقيع المهم حسن النوايا "

هل كان صالح نبي الثورة ، حتى يوحى اليه ، و يكشف لهٌ مستقبلها ؟ 

أم ماذا كان يقصد وعلى أي المعطيات يعتمد ؟؟

في نظري كان صالح  يعلم اكثر من الثوار أنفسهم ، انه اليوم تم انقاذه أو هكذا قالت له السعودية في الكواليس !!

 

يتبع….

 

 .......................................

لمتابعة قناة الرصيف برس على تيلجرام

 https://telegram.me/alraseefpress

 

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس