لنستلهم تجربة الحمدي ومشروعه..

الخميس 13 أكتوبر 2022 - الساعة 01:09 صباحاً

بداية وحتى لانغرق في الماضي ونغدو أسارى له ومتحدين به او منفصلين عن الحاضر والمستقبل،  وحتى لا يقول بذلك قائل  في استنزاف غير محمود ٍ أو لاطائل منه ، أو بأننا نمارس نوعاً من الترف في استهلاكيات طللية تمجد الألم وتجلد الذات ، أو نمارس نوعاً من الهروب في هذا  الاستغراق المتوحد بالماضي ، أو نعوض باستدعاءه أوالتوحد به نقصاً في مشهديات واقعنا حاضراً ومستقبلاً ، كأن نمارس الغوايَّة في إستدعاء أرواح لا تأتي ، ولن يجدي حجم الدموع التي ذرفت وتذرف على عجزنا المبسوط في قوارع الطريق ، فنمارس نوعاً من الجلد مثلاً  أو نوعاً من التعطيل للقدرات والملكات في حوائط لاهوتياتية تمارس فعل التطهير حيناً ، وربما الاستغراق في فلسفات العجز والتبرير والانسلاخ عن الواقع  و استحقاقات المستقبل في أحاديين كثيرة

 

والحقيقة  والحق يقال  أننا إذ نحتفي بذكرى استشهاد قائدنا الشهيد / إبراهيم محمد الحمدي اليوم وغداً وبعد غدٍ فلكونه قائداً وطنياً يستعصي على النسيان ، وكذا حركته التصحيحية البيضاء 13 يونيو 1974 م ، ولأنهما معاً كانا علامة فارقة في تاريخ البلد وطنياً وسياسياً واجتماعياً وعلى كل الصعد ، و ارتبطا وجدانياً بشعبنا اليمني  فكانا الأقرب إليه في مستويات إنجازاتهما وانحيازاتهما في تاريخ الجمهورية كلها ، ولا عجب إذاً أن يكون الوفاء الشعبي والوطني خالداً وحاضراً وبقوةٍ في كل آن ، وليس فقط في ذكرى استشهاده كل عام ، أو في ساعات  المحن والملمات والشدائد التي تحدق بالوطن والإنسان  منذ اغتياله الآثم والجبان ، واغتيال مشروعه الوطني  وحتى الآن ؛ ذلك أن شعبنا  بادل قائده وحركته الوفاء بالوفاء ..

 

وهو المسكون بحب وطنه وشعبه حتى  العظم ، ولا أدل على ذلك من أن آخر كلماتٍ تفوه بها القائد الشهيد وهو يخاطب قاتليه ( الشعب أمانة في أعناقكم ) من غير تصنعٍ أو افتعالٍ أو مراءةٍ أو مزايدةٍ ، وفي موقفٍ لا يثبت فيه  إلآ الرجال الرجال الصادقون ربهم ثم أنفسهم وشعبهم بما عاهدوه عليه ، وقد أدرك شعبنا ذلك ولم تنطلي عليه أراجيف قاتليه وهم يخرجون بيانات خزيهم وعارهم ، فأدان القتلة والمجرمين يوم تشيع جثمانه وأخيه الطاهرين إلى مثواهما الأخير رحمة الله تعالى عليهما ، وهم يهتفون في وجه القتلة بأنهم المجرمون ويقذفنوهم بالأحذية وبأقذع الألفاظ، و مايؤكد ذلك ويعززه التغييب المتعمد الذي طال الشهيد وحركته التصحيحية  وتجاوزوها إلى طمس معالمه الخالدة وآثاره ومآثرة ومشروعه الوطني  وشركاء تجربته الرائدة..

 

ومع كل ذلك التجريف  إلآ أن شعبنا اليمني العظيم  كان ولايزال يحتفظ له بقدره وتقديره وحبه الخالد الذي  تجاوز معاصري الشهيد / إبراهيم محمد الحمدي إلى الأجيال القادمة التي لم تعرفه ولم تعش تجربته الخالدة ؛ لكنها أدركت بأنه كان يعمل لأجلها باعتبارهم المستقبل ، وأمل البلاد الباقي في صنع الغد  وبُنَاتِهِ المقتدرين ؛ فَكَنَّتْ له كل الحب والتقدير والوفاء ،  وخرجت تهتف باسمه وترفع صوره ، وتؤكد انتماءها الوطني لمشروعه الخالد في بناء الدولة اليمنية الحديثة ،  ومامظاهر الاحتفاء بذكرى استشهاده مثلاً إلآ واحدة ً من ذلك الحب الخالد له كشخص ٍ ولمشروعه الوطني الخلاق  متجاوزاً عصبيته ومذهبه وجغرافيته لينتصر لوطنيته وهويته اليمنية الكبرى ومشروعها الكبير ؛ فطوبى له ولكل الخالدين في محراب الوطنية العصية على الانكسار والتغييب والتجريف والاحتواء .

 

خمسة وأربعون عاماً ولاتزال قلوب شعبنا تلهج بالدعاء له ولرفاق دربه وشركاء تجربته وصناع مسيرة الانتماء للوطنية اليمنية ، ولسبتمبر الثورة والجمهورية وأهدافها الستة الخالدة ، وأسكنه ذاكرته الجمعية لتكون لشعبنا دليل الوعي الحاضر في تاريخ اليمن الجمهوري وذاكرته الشعبية الحية ، وصوت الضمير الحي المتقد والخالد أبد الدهر في وعيه ووجدانه .

 

 تلك الحقيقة الذي يُقِرُّهَا شعبنا اليمني العظيم بعفوية حبه وانحيازاته الواعية للقائد الشهيد / إبراهيم محمد الحمدي وتجربته الخالدة وعظمتهما معاً في تاريخ يمننا الحديث . 

 

 إن جريمة اغتيال القائد الشهيد / إبراهيم الحمدي  إنما هدفت إلى تغييب مشروعه الوطني الجامع والكبير ، والمتمثل في بناء الدولة اليمنية الحديثة  دولة المواطنة والقانون والمساواة والرفاه والعيش الكريم ، وفي خلق بنى تحتية لأول مرة في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر ، وتصحيح مسار الثورة والجمهورية وتحقيق السيادة الوطنية ، وبناء جيش وأمن على أسس وطنية في انتماءها وولاءها   وهو مالم يكن حاضراً قبل تجربة حركة 13  يونيو 1974 م التصحيحية البطلة حيث كانت تتقاسم هاتين المؤسستين مراكز القوى والنفوذ ، وارتهانات الخارج تمويلاً وتبعيةً وولاءً  إلآ من استثناءاتٍ بسيطةٍ  ومحدودةٍ لدى بعض الوحدات أو القيادات الوطنية عقيدةً وانتماءً وولاءً ، وهي تلك التي اضطلعت بمهمة التصحيح الوطني في تجربة حركة 13 يونيو التصحيحية 1974 م المجيدة  والانتصار لروح ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المحيدة وأهدافها الخالدة..

 

كما جسدت الحركة وقائدها الوحدة الوطنية في نسيجها الشعبي والمجتمعي ،  وسعت و بخطى حثيثةٍ لتحقيق الوحدة اليمنية على طريق الوحدة العربية الشاملة ، واستطاعت أيضاً من تحقيق التكامل العربي آمناً وافتصاداً ومشتركات حضارية ، واحترام خصوصيات الداخل الوطني لكل قُطْرٍ أو بلدٍ ، وقدَّمت حضوراً فاعلاً في المحافل الدولية ، وكان لها بصماتها التي لا تنسى ،  والتي لاينكرها إلآ جاهلٌ أو حاقدَ أو متعصب  ٌ أو مريض ، وفي مؤتمرات حركة عدم الانحياز والحياد الإيجابي خيرُ مثلٍ يعزز ذلك . 

 

 تلك بعض ملامح مشروعه الوطني الكبير الذي استطاع بمعيَّة كل المخلصين معه في تجربته التصحيحية من إرساء مداميكها في ثلاث سنوات وأربعة أشهر فقط . 

 

 وها نحن اليوم  وبعد مضي  45  عاماً  من اغتيال القائد الشهيد / إبراهيم محمد الحمدي ومشروعه الوطني الكبير نعود إلى مربعات الصفر التي سبقت حركة 13 يونيو التصحيحية 1974 م ، وما أشبه الليلة بالبارحة ، وهو ما يجب على كل قوى الوطنية والتقدمية والتحديث أن تدركة وتستوعبه  أننا ماضون نحو خيارات اللادولة  في ظل التشظي والتفتييت وظهور المشاريع والأجندات المشبوهة والصغيرة، وأن عليها أن توحد نفسها وخطابها ومشروعها الوطني الجامع وأن تستلهم  تجربة الحمدي ومشروعه الوطني، وتتمسك به وتبني عليه ، وتعيد إنتاجه كذخيرةٍ حيةٍ وواعيةٍ لصناعة غدٍ أفضل ، وبناء الدولة اليمنية الحديثة بإراداتٍ صلبةٍ  وحقيقيةٍ ؛ لانتشال البلاد من شرٍ مستطيرٍ يحدق بها ، ويستهدف انسانها ومكتسباتها الوطنية هويَّةً وسيادة ًودولةً واحدةً وموحدةً.   

 

وأن نجعل من هذا الاحتفاء انطلاقة نحو لَمِّ الشمل واستشعار المسؤولية نحو خيارات الوطنية اليمنية متصدين لكل المشاريع والأجندات الصغيرة التي تهدف إلى تمزيق وحدة الشعب وتفتت نسيجه الجمعي والمجتمعي على أساس مذهبي أو طائفي أو مناطقي أو جهوي  أو طبقي او جغرافي، وأن نعيد الاعتبار للهويَّة الوطنية التي تشظت وتفسخت، وللقيمة الحضارية لنضالنا الوطني الذي تلاشى واضمحل ولن نقول توارى أو انكفأ  خلف مكتسباتِ التقاسم والمحاصصة على حساب الكفاءة والقدرة وقوانين الوظيفة العامة في هذا الظرف العصيب من تاريخ معارك استعادة الدولة. 

 

إننا إذ نحتفي بشهدائنا فلأننا ( لانعتبر الشهداء مجرد ذكرى ، وإنما معالم على طريق الانتصار  ) كنا يقول الزعيم  الخالد / جمال عبدالناصر. 

 

 رحم الله  قائدنا الشهيد / إبراهيم محمد الحمدي ، وأخيه الشهيد / عبدالله محمد الحمدي ، وشهداء الوطن الأماجد  ،  وشهداء انتفاضة  الخامس عشر من اكتوبر 1978 م الناصرية الميامين . 

 

ولانامت أعين القتلة والمتآمرين على الوطن أرضه وإنسانه ومكتسباته. 

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس