ليس دفاعا عن صالح ولكن السعودية اخطأت عندما صنفته بالخائن

الجمعه 15 ديسمبر 2017 - الساعة 05:08 صباحاً

كما هو العنوان لا أقصد في هذا التحليل الدفاع عن صالح ( صانع مأساة الجمهورية والانسان في اليمن ) بقدر ما هو الحديث عن ماهو مفصلي في مسار الاحداث في اليمن ، وهو الذي شكل عامل رئيسي إذ لم يكن وحيد في هذه النهاية المأساوية لصالح وهي نهاية متوقعة ومقبولة وفق سياق التحليل المنطقي للاحداث وليس العاطفي ، حتى الحكمة الشعبية التي تعبر عن تراكم التجربة والخبرة في قراءة الاحداث والنتائج نجدها تدعم فرضية هذه النهاية الصالحية بالمثل القائل " الجزاء من جنس العمل " " او ما اجتمع اثنين على ظلالة إلا وماتوا اعداء " فكيف إذا اجتمع ثلاثة !!

 

أعود لصلب الموضوع واقول ما أقصده هنا بالمفصلي هو سُوء التقدير من قبل السعودية بعد سقوط صنعاء والذي تم بموجبه تصنيف صالح بالخائن لسياستها وأمنها في المنطقة وهو مالم يحدث من قِبله ، ولايعني ذلك ان صالح يتحلى بالوفاء لكنه يعرف دائماً اين تكمن مصلحته الشخصية حتى لو كانت على حساب مصلحة الوطن .

فصالح هو الرئيس الذي قدم لسعودية مالم يقدمه رئيس يمني سابق ، كما انه وبحكم تاريخه الطويل في السلطة وعلاقته بدول الاقيلم يدرك ماذا يعني وجود قوى إقليمية أخرى مؤثرة في القرار السياسي في اليمن بالنسبة للجارة لسعودية فكيف إذا كان الحاضر في المشهد اليمني هو إيران دولة العِداء السياسي والعقائدي للمملكة السعودية ؟

 

كما أن السعودية وقفت في ثورة الشباب مع صالح وفرضت معادلة سياسية تحمية وحزبه وبالشكل الذي يجعله فاعلاً في المشهد السياسي في مستقبل اليمن وذلك كان موقف مناقض لموقفها المتصلب والداعم لإسقاط النظام في سوريا ، وهو ما يعني ان السعودية لم تستفز صالح في سياستها في اليمن ، بل كانت ترى وبكل ثقة ان صالح هو الرجل المناسب لها وذلك كان صحيح ، ولكن يبدو ان لعنة الظلالة في المثل الشعبي السابق قد اصابت هذا التحالف الثلاثي والبرجماتي في مقتل " صالح ، الملك عبدالله ، الحوثيين " لذا سوف يموتوا اعداء يقتلون بعضهم البعض ويقتلونا معهم ، فإذا كانت السياسة الطيبة ليست ضمان اكيد للنجاج فإن السياسية السيئة ضمان اكيد للفشل او هكذا قال برجنسكي .

 

لست معني هنا بالحديث عن أسباب واهداف هذا التحالف الذي جمع المتناقضين على الطاولة ، فما يهم في هذا السياق أن صنعاء كان يفترض لها أن تسقط شكليا بيد الحوثيين او هكذا كانت رغبة صالح والملك عبدالله ولكنها سقطت فعلياً بيد المليشيات الحوثية ، فإذا كان السيناريو المرسوم في عالم الفن يجعل المُخرج قادراً على التحكم في مسار الاحداث وفي تحركات بطل العرض حتى النهاية ، فإن السيناريو المرسوم في عالم السياسة يختلف تماماً وغالبا ما يؤدي الى نتائج غير متوقعة وأبطال غير مرغوباً بهم حتى للمخرج نفسه مهما بدأ واثقاً من إدقان حبكته السياسية ، وهو ما حدث في صنعاء فالحوثيين لم يكونوا ساذجين كما أريد لهم ولم يرضوا ان يكونوا ابطال وهميين في عالم التمثيل بل أرادو ان يكونوا ابطال حقيقين ومؤثرين في عالم السياسة وعلى مسرح الصراع في اليمن ولهذا نجحوا في إسقاط صنعاء بأيدهم ! وإذا كان الحديث عن كيفية هذا السقوط لا يتسع المجال لذكره فإن المؤكد انه تم رغم انف صالح وهو مالم تدركه السعودية يومها لذلك صنفت حليفها المخلص بالخائن مع إن صالح لم يتواصل مع إيران بل إن إيران كانت في غنا عنه في ظل وجود جماعة الحوثي في صدارت المشهد في اليمن . كان صالح مازال قويا يومها ومسيطر على جزء كبير من الجيش ولكنه يحتاج لبعض الوقت لترتيب أوراقه بهدف إحتوى جموح الحركة الحوثية التي بدأت تلتهم كل شي في طريقها بسرعة الضوء ، فالمشهد بالنسبة لصالح تعقد ، فالحوثيون لم يكونوا أغبيا وبدؤ يستثمرون سياسيا طرد بيت الاحمر والانتصار على الفرقة المرتبطة بعلى محسن لصالحهم كون تلك الخطوات كانت محل ترحيب القوى الثورية ، كما ان المكون الزيدي تحول الى حاضنة شعبية وجماهيرية للحركة التي نجحت في تقديم نفسها حامية للمذهب الزيدي من الاندثار امام زحف الحنابلة الوهابيين ، وهذا ما جعل إيران تفتح عينها على الحركة بشكل كبير حيث بدأت السفن الايرانية ترسو في ميناء الحديدة والسؤال ماذا حَمَلتْ تلك السفن للحوثيين ؟ كل ذلك كان في زمن كانت فيه الحركة مقبولة سياسيا وجماهيريا وقادرة على التعاطي مع الاحزاب السياسية في الحوار حول ما يجري في صنعاء ، عكس صالح الذي خسر حليفه الاقليمي وبدا في نظرها خائن .

 

حاول صالح تدارك الموقف عن طريق نجله احمد الذي سافر الى الرياض ولكنه قوبل بالتوبيخ والشتم من قبل محمد بن سلمان فالشك قد تحول إلى قناعة مطلقة في الرياض فصنعاء العاصمة الرابعة سقطت فعلا بيد إيران هكذا صرحت طهران وسمعت السعودية ذلك ، كما أن الوضع في الداخل كان اكثر تعقيدا بالنسبة لصالح فالرجل غير قادر على إستثمار الانتصارات العسكرية على خصومة سياسيا وإن كان إزاحتهم مرحبا بها جماهيرياً لكونه يدير المشهد من تحت الطاولة هذا من جهة وم ن جهة ثانية فإن احداث ثورة الشباب التي اندلعت في وجه نظامه كانت تمثل ذاكرة حية للمجتمع تعيق حضوره في صدارت المشهد السياسي ولهذا كان مضطر للإختفاء بعض الوقت والعمل من وراء حجاب وهو ماصب في مصلحة الحركة الحوثية التي بدأت حركة صاعدة منزه عن الفساد في ذاكرة المجتمع يومها .

 

وإذا كان صالح يومها مازال قوياً ومسيطراً على الجيش وقادراً على فعل شي إلا إنه كان محتاج للوقت ، فجموح الحركة الحوثية في السيطرة داخل العاصمة صنعاء تحول الى جنون مُطبق ، والوقوف في وجه هذا الجنون يعني القتال المبكر مع الحوثيين ، وهو ما كان صالح متردداً فيه وذلك كان خطاء قاتل له ، ربما كان صالح يريد اولاً إعادة الثقة مع السعودية قبل المواجهة مع الحوثيين ، كما انه كان مازال واثقاً من قوته العسكرية على الحسم ولم يتوقع قط ان تتخذ السعودية قرار الحرب ضده ، كانت استقالة عبد ربه قد فتحت نافذة العبور امام صالح الذي دفع باتجه انعاقد مجلس النواب وقبول الاستقالة لكي يتسلم الراعي القيادي في المؤتمر السلطة لكن الحوثيين ادركوا ذلك

 

فحاصروا مجلس النواب وذهبوا للحوار مع الاحزاب لتشكيل مجلس رئاسي ، أستغل صالح عدم إتفاق المتحاورين فدفع الامور نحو تشكيل مجلس عسكري لكونه مازال مسيطر على الجيش من جهة ومن جهة أخري سوف يستغل الملحق الامني الذي ينص على إنسحاب المليشيات من العاصمة والتسليم للجيش، أدرك الحوثيين للمرة الثانية مخاطر ذلك فحولوا اللقاء الذي حضره الصبيحي إلى إعلان دستوري ، فكانت ردت الفعل الغاضبة اغتيال الخيواني=( اكبر المعارضين للمجلس العسكري ) والمتوكل .

 

كان الانقلاب على مخرجات الحوار الوطني وعلى مكتسبات ثورة الشباب قد نجح في الواقع ، وكان حَلْ حزب الاصلاح وتحويل بقية الاحزاب إلى ديكور سياسي مسألة مفرغ منها، لكن من سيحكم صنعاء سوف تحددة بلا شك معركة قادمة بين صالح والحوثيين وكان صالح يومها قادراً على فعل شيء يذكر ، لكن موت الملك عبدالله الذي كان مازال يعول على قوة صالح ويعاني من عقدة التدخل العسكري في اليمن منذو الحرب السادسة مع الحوثيين غير في مسار الاحداث وفي المشهد بشكل عام وفي ميازين القوى بالنسبة للحوثيين وصالح ، فالسعودية بقيادة الملك سلمان كانت ترى بأن سياسة الملك عبدالله جعلتها تعيش في سباق مع الزمن بالنسبة للحضور الايراني في صنعاء ، فأسرع سلمان بالتدخل العسكري في اليمن وأقصاء الطاقم السياسي الذي كان يصنع القرار في السعودية في عهد الملك عبدالله ، ولكن هذا التدخل الذي كان بدافع أمن السعودية وتحت مبرر الدفاع عن الشرعية أدى إلى إضعاف صالح وحزبه وتقوية الحركة الحوثية ، فصالح الذي كان يعول على إعادت الثقة مع السعودية تفاجئ بالطيران يقصف معسكراته وقواته ومخازن السلاح والطيران ، لكنه لم يتمكن من ضرب الحوثيين نتجة التركيب المليشاوي لمقاتليها ، كما ان الجيش امام هذا القصف الكثيف تخلى عن تركيبة الجيش النظامي في إدارة الحرب كمعسكرات تزحف بقواتها في مواجهات قوات الشرعية ، ولذلك اقترب من العمل المليشاوي كجماعات تتمترس في التباب وتمارس القنص والقصف وهو ما سهل على جماعة الحوثي من السيطرة عليهم لا سيما وقد سيطرت الجماعة على المال والدعم للمقاتلين مع حرصهم الشديد على عدم إحتفاظ صالح بأي قوى عسكرية بشكل مستقل بعيدة عنهم وقد ساعدهم في هذا الإختراق إستخدام سلاح البعد المذهبي داخل الجيش ، كما ان طول فترة الحرب بقدر ما خلقت إنقسام وحيرة في صف حزب صالح خلقت وحدة في صف الجماعة الحوثية التي استغلت إرباكه للمزيد من السيطرة والاقصاء لحزبه وتفكيك مراكز قواه التي شيدها طول فترة حكمه لليمن .

 

خلاصة الحكاية وعلى لسان الموروث الشعبي تقول أن صالح والملك عبدالله فتحوا كتاب شمس المعارف في عالم السياسية ، فأحضرو الجن والاشباح من الكهوف ولكنهم فشلوا بعد ذلك في صرفهم وإعادتهم لمحبسهم في جبال مران ، وقواعد القراءة في كُتب هذه الكائنات تقول من لم يحسن التعامل مع الجن والاشباح بعد إحضارهم يقتلوه ولهذا قُتل صالح بهذه الطريقة ورحل بعد أربعة عقود من الرقص على رؤوس الثعابين كما كان يحب أن يُبجل ذكاءه في حكم اليمن ، ولكن السؤال ماذا بعد يا حزب المؤتمر ؟؟.

 

 

 

للاشتراك في قناة " الرصيف برس " على التلجرام.
إضغط على اشتراك بعد فتح الرابط

https://telegram.me/alraseefpress

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس